الاخبار: يحيى دبوق
تتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، في إطار استراتيجية متعدّدة الأبعاد، تهدف أساساً إلى دفع حركة «حماس» إلى قبول «خطة ويتكوف» المتعلّقة بصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وذلك عبر مزيج من الضغوط العسكرية والنفسية، غايته إضعاف موقف الحركة وإجبارها على «الاستسلام».
وتُنفَّذ هذه الاستراتيجية من خلال غارات جوية عنيفة ومكثّفة تستهدف البنية التحتية والقيادات العسكرية والإدارية في «حماس»، مع التركيز بشكل خاص على ترويع السكان وإخلاء المناطق المستهدفة منهم.
وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام العبرية، عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، فإن «أمام حماس خياراً واضحاً: يمكنها خلال عشر دقائق فقط أن تبلغ الوسطاء استعدادها للتفاوض وفق خطة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. إذا حدث ذلك، فهذا يعني أننا حقّقنا هدف العملية. وإذا لم يحدث، فسنواصل الضغط من خلال الوسطاء، وننتقل إلى المرحلة التالية من الخطة».
وبالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك الجاهزية الكاملة لخوض معركة برية واسعة، فهو يعتمد بشكل أساسي على سلاح الجو كأداة رئيسية لتحقيق أهدافه، إلى جانب «مناورات» برية محدودة إلى الآن.
على أن الغارات الجوية ليست مجرد وسيلة لتدمير البنية التحتية، بل وأيضاً لفرض ضغط نفسي هائل على «حماس» وحاضنتها من المدنيين، فيما يجري اعتماد ما يشبه «الإغراء المشبَع بالتهديدات»، بغرض دفع الحركة إلى اتخاذ قرار سريع.
وفي هذا الإطار، تحاول إسرائيل الإيحاء للمقاومة بأنه في حال لم ترضَخ لشروط الاحتلال، فإن الأخير سيقوم بقضم الأراضي الفلسطينية في القطاع ويحتلها ويسيطر عليها بشكل دائم. وفي السياق، قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في رسالة مباشرة إلى سكان غزة: «قريباً سيُعاد إجلاء السكان من مناطق القتال، والقادم سيكون أصعب بكثير، وستدفعون الثمن كاملاً. أعيدوا المختطفين وأزيلوا حماس، وإلا فالبديل هو الدمار المطلق».
وبهذه الطريقة، تحاول إسرائيل وضع «حماس» أمام خيارين: إما الرضوخ الآن تلافياً للاجتياح البري والاحتلال الدائم، أو الرضوخ لاحقاً لكن مع فقدان السيطرة على الميدان.
يعكس النقاش الداخلي في الكيان انقساماً عميقاً حول جدوى استمرار العمليات العسكرية
كذلك، تعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية على استهداف المدنيين الفلسطينيين عبر سياسة العقاب الجماعي، بما يشمل القتل والهدم والتجويع، بهدف تكثيف الضغط على «حماس»، ودفع الفلسطينيين إلى فقدان الثقة بالحركة وتأليب بيئتها ضدها. ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فإن «المراحل التالية من العملية العسكرية ستكون أكثر عدوانية وستشمل دخولاً برياً» أوسع مما يجري الآن، في حين يؤكّد مسؤولون إسرائيليون، في رسائل مباشرة إلى الفلسطينيين، أن «الجيش إذا دخل غزة، فلن يكون ذلك بهدف الخروج»، معتبرين أن «السلاح الرئيسي هذه المرة ليس القتال فقط، بل إخلاء السكان من مناطق القتال حتى تنكسر حماس».
كما تشير الأوساط الإسرائيلية إلى أن الهدف النهائي للتصعيد العسكري في غزة هو إعادة تشكيل القطاع تحت «إدارة جديدة»، سواء كانت «جهات عربية معتدلة» أو هيئات موالية لإسرائيل، مع تأكيد تل أبيب أنها لن تسمح للسلطة الفلسطينية بلعب أي دور في القطاع ضمن أي ترتيب سياسي وأمني قد يتم إرساؤه لاحقاً.
لكنّ هذه الطموحات الإسرائيلية تصطدم بتحديات كبيرة على الأرض، أبرزها مقاومة حركة «حماس» وفصائل المقاومة، والتكلفة البشرية والسياسية والعسكرية، والقيود الزمنية التي يفرضها الجانب الأميركي على إسرائيل لإتمام المهمة عسكرياً.
كما أن المعطيات المتوافرة تكشف عن نقص كبير في الجاهزية العسكرية الإسرائيلية، حيث يلبّي نصف الجنود فقط نداء الاحتياط، فيما يرفض النصف الآخر الالتحاق بسبب فقدان الثقة بقدرة الجيش على تحقيق نصر حاسم. وتعيش إسرائيل أجواء من الشكّ حول الأهداف الحقيقية لاستئناف القتال، خصوصاً بعد تراجع تأثير ورقة الأسرى، في حين يعكس النقاش الداخلي في الكيان انقساماً عميقاً حول جدوى استمرار العمليات العسكرية، وسط تحذير أصوات معارضة من تصعيد غير محسوب العواقب.
وفي المحصّلة، تواجه الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تحديات كبيرة، من المشكوك فيه معها تمكّن العدو من تحقيق أهدافه بشكل كامل، حتى وإن كان لا يزال يراهن على ذلك.